إقالة كريستيان هورنر.. نهاية حقبة كبرى وبداية حقبة جديدة فى ريد بُل

لم يكن كريستيان هورنر مجرد اسم إدارى فى سجلات فورمولا وان، بل كان أحد صُناع العصر الحديث للرياضة، على مدار أكثر من عشرين عاماً، قاد فريق ريد بُل من مشروع طموح إلى قوة لا تُقهر، حصدت الألقاب وفرضت الهيمنة، وصنعت أبطالاً أصبحوا جزءاً من تاريخ اللعبة.

تحت قيادته، تحول ريد بُل إلى منظومة متكاملة، قائمة على الحسم والسرعة فى اتخاذ القرار، وعلى شخصية قيادية لا تعرف التراجع. هذا الأسلوب كان سر التفوق لسنوات طويلة، لكنه مع تغير الظروف بدأ يُثير تساؤلات داخل الفريق وخارجه.

مع دخول موسم 2025، لم يعد المشهد كما كان تراجع نسبى فى الأداء، منافسة أكثر شراسة، وضغوط متزايدة مع اقتراب تغييرات 2026 المصيرية. فى هذا التوقيت الحساس، اتخذت إدارة ريد بُل قراراً صادماً، وهو إنهاء مهمة كريستيان هورنر، وإغلاق صفحة استمرت عقدين كاملين.

البيان الرسمى ركز على الشكر والتقدير، لكن ما أعقبه كشف عمق الحدث.

أوضح هيلموت ماركو، المستشار الرياضى للفريق، أن القرار لم يكن شخصياً لكنه مرتبط بمرحلة جديدة تتطلب فكراً مختلف، وأشار إلى أن النتائج وحدها لا تكفى إذا لم تتماشى مع رؤية طويلة المدى واستقرار داخلى.

ومن حانبه عبر ماكس فيرستابن عن احترامه لهورنر، وأكد أن ما حققاه سوياً سيظل محفوراً فى ذاكرة الفريق، لكنه شدد فى الوقت نفسه على أن فورمولا وان لا تعترف بالإنجازات السابقة فقط، بل بمن يستطيع مواصلة التطور، وهذا التصريح حمل تقديراً لهورنر وفهماً عميقاً لطبيعة هذه اللعبة القاسية.

أما سيرجيو بيريز، فقد أقر بأن رحيل هورنر كان صدمة، خاصة للسائقين الذين اعتادوا على دعمه المباشر، لكنه أشار إلى أن الفريق يمر بمرحلة انتقالية تتطلب الهدوء والتركيز، بعيداً عن العواطف.

وسط هذه الأجواء، جاء تصريح كريستيان هورنر نفسه الأكثر تأثيراًفى كلمته الوداعية، حيث وصف القرار بالمفاجئ والصعب، وأكد أن قيادة ريد بُل كانت أعظم تجربة فى حياته المهنية، وتحدث بفخر عما تحقق، وعن ثقته فى قدرة الفريق على الاستمرار قُدوماً.

وحاءت تصريحات توتو وولف الذى خاض مع هورنر واحدة من أشرس فترات التنافس بين مرسيدس وريد بُل، حيث رأى أن قوة شخصية هورنر، التى كانت مصدر نجاحه، تحولت مع الوقت إلى عبء، لشعوره المتزايد بالاستحقاق، مما جعله أقل تقبلاً للنقد والمراجعة. ورغم أن الحديث صادرعن منافس تاريخى، فإنه لامس جانباً إنسانياً وإدارياً عميقاً فى قصة هورنر.

بعد هذا الإعلان مباشرة، حسمت ريد بُل ملف الخلافة، وعينت لوران ميكيز رئيساً للفريق ومديراً تنفيذياً جديداً، وهو شخصية تجمع بين الخبرة الفنية والإدارية. عمل لسنوات داخل منظومة الاتحاد الدولى للسيارات، ثم فى فرق كبرى، قبل انضمامه إلى ريد بُل، وهذا التعيين حمل رسالة واضحة هى الانتقال من أسلوب القيادة القائم على الشخصية الطاغية، إلى نموذج أكثر هدوءاً وتنظيماً، يعتمد على العمل الجماعى، وإدارة التفاصيل، والاستعداد المبكر للتحديات التقنية المقبلة. فى أول تصريح له، أكد ميكيز احترامه العميق لإرث هورنر، لكنه شدد على أن المرحلة القادمة تتطلب عقلية مختلفة، تركز على الاستدامة وبناء المستقبل.

القرار فى جوهره لا يُدين إنجازات الماضى، لكنه يوضح حقيقة لا ترحم فى فورمولا وان، وهى أن الاستمرار فى القمة يتطلب أكثر من تاريخ حافل. يتطلب مرونة، واستعداداً لإعادة الحسابات، وقدرة على التغيير فى الوقت المناسب.

أما المستقبل فيبقى مفتوحاً، ريد بُل يدخل مرحلة اختبار حقيقى بقيادة جديدة، وهورنر، رغم خروجه الصادم، يظل اسماً له وزنه وخبرة نادرة، قد تعود فى دور جديد، داخل الفورمولا وان أو خارجها.

هكذا تُغلق صفحة، وتُفتح أخرى ليس بسقوط، بل بتحول، يذكر الجميع أن القمة لا تسأل ماذا أنجزت بالأمس، بل ماذا تقدم للغد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى