من حافة النهاية إلى وعى العودة… داريوا فرانشيتى وقصة إرادة لا تعرف اليأس

فى سباقات السيارات، كل شىء يُقاس بالثوانى. أحياناً بثوانٍ قليلة تربح، وأحياناً بجزء من الثانية تتوقف حياتك كلها.
هذا ما حدث مع داريوا فرانشيتى
فى عام 2013، كان فرانشيتى يخوض سباقاً عادياً فى بطولة IndyCar، البطولة الأعلى والأصعب فى سباقات المقعد الواحد بالولايات المتحدة، لا شىء كان يوحى بأن هذه اللفة ستغير مسار حياته.
تصادم عنيف، سيارة تتطاير، وصمت ثقيل يخيم على الحلبة، فى تلك اللحظة لم يكن السؤال عن نتيجة السباق، بل عن مصير السائق.
قبل الحادث، كان فرانشيتى واحداً من الأسماء الكبيرة فى عالم السباقات الأمريكية، متسابق اسكتلندى هادئ، لا يحب الضجيج، لكنه يعرف كيف يفوز. أربعة ألقاب فى IndyCar، وثلاث مرات بطلاً لسباق Indianapolis 500، السباق الذى يحلم به كل سائق ولا ينجح فيه إلا القليلو، لم يكن يعتمد على الاندفاع، بل على التفكير والهدوء واتخاذ القرار فى اللحظة المناسبة.
الحادث ترك آثاراً لا تُمحى، إصابات فى الرأس والعمود الفقرى، وتحذيرات طبية واضحة بأن الاستمرار قد يكون خطراً على حياته. القرار جاء سريعاً ومؤلماً وهو “الاعتزال”. قالها لاحقاً ببساطة موجعة، إن الأطباء أعادوا ترميمه أكثر من مرة، وإن التعافى كان طريقاً طويلاً مليئاً بالخوف. فجأة، وجد نفسه بعيداً عن الشىء الذى عاش من أجله لسنوات طويلة.

لكن الاعتزال لم يكن نهاية الشغف، السنوات التى تلت كانت صعبة، ليس فقط على الجسد بل على الروح، أن ترى السباقات من بعيد، أن تسمع صوت المحركات ولا تكون جزءاً منها، هو اختبار قاسى على أى متسابق.
مع الوقت، بدأ فرانشيتى يرى الأمور بشكل مختلف. بقى قريباً من الرياضة كمحلل ومستشار، وتعلم أن الحب الحقيقى لا يعنى التمسك بالشىء نفسه، بل إيجاد طرق أخرى جديدة للتكيف معه.
بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً، اتخذ قرار العودة. ليس بدافع الحنين، ولا لإثبات أنه ما زال قادراً، بل لأنه شعر أن الوقت أصبح مناسباً. العودة لم تكن إلى سباقات السرعة الجنونية، بل إلى سباقات التحمل، حيث الخبرة والهدوء أهم من الضغط على دواسة الوقود. اختار سباق الـ24 ساعة فى دبى، بسيارة من فئة GT3، بعد استعداد بدنى دقيق وفحوصات طبية مطمئنة.

هذه العودة لم تكن صاخبة، لكنها كانت صادقة.. فالقوة لا تعنى تجاهل الخطر، كما أن التوقف ليس هزيمة، وإن إعادة الحسابات قد تكون الطريق الوحيد لتعود أكثر اتزاناً.
عودة فرانشيتى تُثبت أن أعظم الانتصارات، فى رياضة المحركات كما فى الحياة، ليست فى ألا تسقط، بل فى أن تعرف متى وكيف تنهض… لتعود أقوى.



