محاكمة تاريخية في لندن: 1.6 مليون مدّعٍ يتهمون شركات سيارات بتزييف اختبارات الانبعاثات

بدأت اليوم في محكمة لندن العليا ما قد يكون أحد أكبر الدعاوى الجماعية في التاريخ القضائي البريطاني ضد صناعة السيارات، حيث يمثل أمام المحكمة مطالبون يقُدَّر عددهم بـ1.6 مليون سائق يدّعون أن عشرات الطرازات العاملة بمحركات ديزل احتوت على برمجيات وأجهزة تهدف إلى تحيّل اختبارات الانبعاثات (so-called “defeat devices”)، ما سمح لبعض الشركات بتمرير سياراتها في الاختبارات المعملية بينما كانت تنبعث منها كميات أكبر بكثير من أكاسيد النيتروجين على الطرق الحقيقية.

يرفع المدعون قضايا تعويضية ومطالبة بإصلاحات تقنية، ويقولون إنهم اشتروا سيارات اعتقدوا أنها تلتزم بالمعايير البيئية السارية، لكن بيانات الاختبارات المستقلة وقياسات الانبعاث الحقيقية على الطرق أظهرت تفاوتًا كبيرًا بين النتائج المعملية وسلوك السيارة في الحياة اليومية. الدعوى تطالب بتعويضات قد تصل – وفق تقديرات صحفية وقانونية – إلى مليارات الجنيهات الإسترلينية إجمالًا إذا ثبت ارتكاب مخالفات على نطاق واسع، وفقا لما ذكرته رويترز.

تُشير لائحة الادعاء إلى عدد من شركات السيارات الكبرى كمُدعى عليهم، من بينها أسماء بارزة مثل مرسيدس-بنز، فورد، نيسان، رينو، وStellantis (المالكة لعلامات بيجو وسيتروين وغيرها). هذه الشركات نفت مرارًا وجود سياسة ممنهجة لاستخدام “أجهزة الهزيمة” أو أنها تشبه فضيحة فولكسفاجن عام 2015، وأكدت نيتها الدفاع بقوة عن موقفها القانوني.

طريقة سير المحاكمة: عيّنات تمثيلية قبل الأحكام الشاملة

أمر القضاة بالبدء بمحاكمة تمثيلية تركز على عينة صغيرة من المركبات (حوالي 20 مركبة يمثلون نماذج مختلفة) لتحديد ما إذا كانت هذه المركبات تحتوي تقنيًا على أنظمة أو برمجيات تهدف إلى تلافي اختبارات الانبعاثات. قرار المحاكمة بشأن هذه العينة سيكون حاسمًا لأنه سيمثل سابقة ملزمة جزئيًا لباقي القضايا المرفوعة ضد شركات إضافية وسيحدد نطاق المسؤولية. أما تحديد قيمة التعويضات العامة فسيتم في محاكمة لاحقة إذا ثبت مسؤولية الشركات.

أبعاد مالية وقانونية: كم يمكن أن تكلف الصناعة؟

تحدثت تقارير صحفية عن أن مجموع المطالبات قد يصل إلى ما يقارب 6 مليارات جنيه إسترليني أو ما يعادله، في حال ثبت أن عددًا واسعًا من الطرازات انتهكت القوانين أو ضُبطت تقنيًا لتقليل الانبعاثات أثناء الاختبارات فقط. هذا الرقم لا يشمل تبعات تنظيمية إضافية أو تكاليف سحب موديلات من الأسواق أو تعديل برامجها. مثل هذه التكاليف – إن تحققت – قد تُغير موازين القوى في سوق أوروبا وتضغط على هوامش المصنعين وميزانيات التحول للكهرباء.

اضطراب قضائي داخلي: مشكلات في إدارة تمثيل الادعاء

قبل انطلاق الجلسات، شهد مسار القضية اضطرابًا داخل أحد مكاتب المحاماة الرائدة (Pogust Goodhead) التي تمثل شريحة كبيرة من المدعين، إذ قدمت طلبًا للتنحي عن دورها كقائد الفريق القانوني عقب خلافات داخلية مع جهة تمويلية أمريكية، واستقالة عدد من المحامين الرئيسيين، مما أثار مخاوف الدفاع والقضاة حول إدارة القضية واستقرار تمثيل الملايين من المطالبين. هذا التطور قد يؤثر مؤقتًا على انتظام الإجراءات أو يتطلب إعادة تنظيم فرق الادعاء خلال الأسابيع الأولى من المحاكمة.

الضغط القانوني والاجتماعي على شركات السيارات لا يقتصر على التعويضات المالية فقط؛ فهناك تداعيات صحية (ربط عدد من الدراسات بين تلوث الهواء بحالات مرضية وممات مبكر)، وسياسية (دفع لسياسات أكثر تشددًا في التحقق من الانبعاثات واعتماد اختبارات قيادة فعلية بدلاً من المحاكاة المختبرية)، وربما تشريعية (مراجعة آليات المصادقة على المركبات في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا). وتعكس هذه القضية تحولًا نحو مساءلة موسعة لسلاسل الاستعانة بالتكنولوجيا والبرمجيات داخل السيارات.

هذه المحاكمة ليست مجرد مواجهة قانونية بين سائقي سيارات وشركات تصنيع؛ إنها اختبار لمدى شفافية صناعة السيارات في العصر الرقمي، ولقدرتها على التعامل مع مسائلة أخلاقية وقانونية حول استخدام البرمجيات في التحكم بأداء المركبات. الحكم الأولي في قضية العينة التمثيلية قد لا ينهي القصة، لكنه بلا شك سيمثل نقطة تحوّل في العلاقة بين المستهلك والدفة الإلكترونية للسيارة الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى