غلق معارض السيارات بين هدف التنظيم وارتباك السوق

أزمة غلق معارض السيارات داخل المناطق السكنية تطرح نفسها اليوم كقضية تنظيمية معقدة، لا يجوز التعامل معها بمنطق القرار المجرد أو ردود الفعل السريعة، بقدر ما تحتاج إلى قراءة متأنية لطبيعة سوق السيارات المصري وتشابكاته.
من حيث المبدأ، لا خلاف على حق الدولة في تنظيم الأنشطة التجارية داخل الكتل السكنية، خاصة حين يتحول نشاط بعينه إلى عبء مروري أو مصدر إزعاج دائم للسكان، فالتنظيم العمراني ضرورة وليس ترفًا، وتأخره لسنوات لا يلغي مشروعيته.
غير أن جوهر الأزمة لا يكمن في الهدف، بل في الكيفية. المؤشرات المتداولة داخل السوق تعكس حالة من الارتباك، سببها أن التطبيق سبقته قرارات عامة دون طرح مسار انتقالي واضح المعالم، وهو ما وضع عددًا كبيرًا من معارض السيارات أمام واقع صعب، خاصة تلك التي تعمل منذ سنوات طويلة في مناطق تغير طابعها العمراني بمرور الوقت، في سوق يواجه ضغوطا تتعلق بتكاليف التشغيل وتذبذب الطلب، فإن أي خطوة مفاجئة قد تخلق تأثيرات سلبية تتجاوز نطاق المعالجة التنظيمية.
الأمر لا يتوقف عند خسائر محتملة للتجار، بل يمتد إلى المستهلك الذي تتقلص أمامه خيارات الشراء داخل المدن، وإلى سوق السيارات المستعملة الذي يعتمد بدرجة كبيرة على انتشار المعارض وقربها من الجمهور، إضافة إلى شريحة واسعة من العمالة المرتبطة بهذا النشاط.
وهنا تبرز ضرورة التفرقة بين مخالفات واضحة تستوجب الحسم، وبين أوضاع قائمة منذ سنوات في ظل غياب بدائل حقيقية، لأن غياب هذا التمييز قد يرسخ شعورا بعدم التوازن في تطبيق القواعد.
من منظور مهني، يمكن النظر إلى ما يحدث باعتباره فرصة لإعادة تنظيم تجارة السيارات بشكل أكثر حداثة، يتواكب مع التوسع في المدن الجديدة وتغير أنماط البيع، لكن هذه الفرصة قد تتحول إلى عبء إذا لم تُدار بحساسية كافية. الخشية الحقيقية أن يؤدي التطبيق غير المرحلي إلى خروج شريحة من صغار ومتوسطي التجار من السوق، بما يخل بالتنافسية ويؤثر في النهاية على المستهلك نفسه.
إذا كان الهدف المعلن هو التنظيم وتحسين المشهد العمراني، فإن نجاح ذلك يرتبط بوضوح الرؤية، وإتاحة فترات انتقالية مناسبة، وتجهيز مناطق بديلة صالحة للعمل قبل تنفيذ قرارات الغلق، إلى جانب خطاب رسمي واضح يضع الجميع أمام قواعد واحدة لا تحتمل التأويل، فتنظيم الأسواق لا يتحقق بالقرارات المنفردة، بل بإدارة متدرجة تراعي الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
في المحصلة، غلق معارض السيارات قد يكون خطوة ضرورية، لكن قيمته الحقيقية ستتحدد بقدرته على تحقيق التوازن بين متطلبات التنظيم واستقرار سوق حيوي، يمس قطاعًا واسعًا من المستهلكين والعاملين. وأي خلل في هذا التوازن لن تكون تبعاته محدودة، بل سيمتد أثره إلى سوق يعاني بالفعل من قدر كبير من التحديات.



